فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {وَأَيُّوبَ}: كقوله: {وَنُوحًا} [الآية: 76] وما بعده. وقرأ العامَّة: {أني} لتسليطِ النداءِ عليها بإضمار حرفِ الجرِّ أي: بأنِّي. وعيسى بن عمر بكسرٍ. فمذهبُ البصريين إضمارُ القولِ أي: نادى فقال: إني. ومذهبُ الكوفيين إجراءُ النداءِ مجرى القولِ.
والضُّرُّ بالضمِّ: المَرَضُ في البدنِ، وبالفتح: الضررُ في كلِّ شيءٍ فهو أعمُّ من الأول.
{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)}.
قوله: {رَحْمَةً}: فيها وجهان، أظهرهما: أنها مفعولٌ من أجلِه. والثاني: أنها مصدرٌ لفعلٍ مقدرٍ أي: رَحِمْناه رحمةً. و{مِّنْ عِندِنَا} صفةٌ لـ: {رحمةً}.
{وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85)}.
قوله: {وَذَا الكفل}: و{وَذَا النون} [الآية: 87] عطفٌ على {أيوبَ}، و{ذا} بمعنى صاحب. والكِفْلُ هنا: الكَفالة يقال: إنه تكفَّلَ بأمورٍ فوفى بها. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء: 83- 84]، وفي سورة ص: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [ص: 41- 43]، ففي آية الأنبياء: {رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} وفي آية ص: {رَحْمَةً مِنَّا}، وفي آية الأنبياء: {وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}، وفي آية ص: {لِأُولِي الْأَلْبَابِ}، فيسأل عن الفرق بين الوصفين؟ ووجه الاختصاص؟
والجواب على الجملة، والله أعلم: أنه لما ورد في الأنبياء تلطف أيوب عليه السلام بقوله: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83]، فلما تلطف في سؤاله، ولم يفصح، عليه السلام، تلطفًا وتضرعًا بعظيم ما أصابه من البلاء إفصاحه في آية ص بقوله: {مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: 41]، فبني كل من الأيتين على ما يناسبه، فقيل جوابًا على عظيم تضرعه وتلطفه في قوله: {مَسَّنِيَ الضُّرُّ} ما يلائم لطيف هذه الشكوى، وعلى قوله: {مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} ما يناسب إفصاحه بهذه البلوى، فقيل بناء على الأول: {فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ} [الأنبياء: 84]، وقيل بناء على الثانية: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} [ص: 42]، لما وقع ذكر الشيطان، وأنه السبب في ذلك الامتحان، جووب باستعمال سبب فقيل له: اركض برجلك واغتسل وذلك يذهب عنك ما مسك به الشيطان، وحين لم يذكر، عليه السلام، واسطة جووب برفع ما به بغير واسطة سبب، فقيل جوابًا لقوله: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ} [الأنبياء: 84]، وبني على الأول قوله: {رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} لتمكن عند فيما قصد، وعلى الثاني: {رَحْمَةً مِنَّا} إذ ليس موقعها موقع {مِنْ عِنْدِنَا}، ثم قيل في الأولى: {وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} مناسبة لما تقدم، وقيل في الثانية: {لِأُولِي الْأَلْبَابِ} مناسبة أيضًا، إذ اعتبار أولي الألباب يورثهم مقام العابدين، وهو أسنى مقام، وكل ذلك بعد مقامات عليه وأوال جليلة، وقد جرى مع كل مقام ما يناسبه، ووضح أن كلًا من هذه المبينات على ما قبلها لا يناسبه غير ما بني عليه، والله أعلم.
وأما وجه خصوص الواقع في كل من السورتين بموضعه، فإن سورة الأنبياء لما رود فيها من قصص الأنبياء المذكورين قبل ذكر أيوب، عليه السلام، إعلاء مقاماتهم، ولم يرد في ذلك ما يخرج عن هذا، وذلك من لدن قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إبراهيم رُشْدَهُ} [الأنبياء: 51] إلى قوله: {وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} [الأنبياء: 82]، ناسب ذلك من قصة أيوب، عليه السلام، ما يلائم هذا الغرض، فلما ورد في ص ما بني عليه قوله تعالى: {وَظَنَّ داود أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} [ص: 24] إلى قوله: {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ} [ص: 25] وما بني عليه قوله: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} [ص: 34] على قوله: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي} [ص: 35]، ناسب ذلك أيضًا ما أعقبت به من قصة أيوب، عليهم السلام، فتأمل الوارد من قصص داود وسليمان في قوله في الأنبياء: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} [الأنبياء: 78] إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} [الأنبياء: 80]، والوارد من قصصهما في سورة ص، واعتبر ذلك، فإن الفرق في ذلك بين، وقد تنزل على كل من هذه القصص في السورتين ما يناسبهما من قصص أيوب، وإذا استوضحت ذلك علمت أن كلًا منهما لا يناسبهما من قصص أيوب، وإذا استوضحت ذلك علمت أن كلا منهما لا يناسبه غير موضعه، ثم إن كلا من الآيتين في السورتين قد جرى على ما اتصل به مما تقدمه وتأخر عنه من فواصل الآي ومقاطعها، فلو وردت على العكس لما ناسب آية منها ما اتصل بها، فحصل التناسب في اللفظ والمعنى على أوضح شيء، وأنه لا يمكن عكس الوارد على ما قد تمهد بوجه، والله أعلم بما أراد. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)} أي واذكر أيوبَ حين نادى ربَّه. وسمِّي أيوب لكثرة إيابه إلى الله في جميع أحواله في السرَّاء والضرَّاء، والشِّدَّة والرَّخاءِ.
ولم يَقُلْ: ارحمني، بل حَفِظَ أدب الخطايا فقال: {وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.
ومن علامات الولاية أن يكونَ العبدُ محفوظًا عليه وقتُه في أوانِ البلاء.
ويقال إخبارُه عنه أنه قال: {مسني الضر} لم يَسْلُبْه اسمَ الصبرِ حيث أخبر عنه سبحانه بقوله: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} [ص: 44] لأنَّ الغالبَ كان من أحواله الصبر، فنادِرُ قالتِه لم يَسْلبْ عنه الغالِبَ من حالته. والإشارة من هذا إلى أنَّ الغالبَ من حال المؤمن المعرفةُ، أو الإيمانُ بالله فهو الذي يستغرقُ جميعَ أوقاته، ولا يخلو منه لحظةً؛ ونادِرُ زلاَّتِهِ- مع دائمِ إيمانِه- لا يُزَاحِمُ الوصفَ الغالب.
ويقال؛ لمَا لم يكن قوله: {مَسَّنِىَ الضُّرُّ} على وجه الاعتراض على التقدير- بل كان على وجه إظهار العجز- فلم يكن ذلك مُنافيًا لصفة الصبر.
ويقال: استخرج منه هذا القولَ ليكونَ فيه مُتنفسٌ للضعفاء في هذه الأمة حتى غذا ضَجَّوا في حالِ البلاء لم يكن ذلك منافيًا لصفة الصبر.
ويقال لم يكن هذا القولُ منه على جهة الشكوى، وإنما كان من حيث الشكر {أنِّى مَسَّنىَ الضُّرُّ} الذي تخصُّ به أولياءك، ولولا أنك أرحم الراحمين لَمَا خصصتني بهذا، ولَكِن برحمتك أهَّلْتني لهذا.
ويقال لم يكن هذا القولُ من أيوب ولَكِنه استغاثةُ البلاء منه، فلم يُطِقْ البلاءُ صُحْبَتَه فضجَّ منه البلاءُ لا أيوبُ ضَجَّ من البلاء... وفي معناه أنشدوا:
صابَرَ الصبرَ فاستغاثَ به الصبرُ ** فصاح المحبُّ بالصبر صبرا

ويقال همزة الاستفهام فيه مضمرة، ومعناه: أيمسني الضرُّ وأنت أرحم الراحمين؟ كما قال: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ} [الشعراء: 22] أي أتلك نعمة تمنها على أن عبدت بني إسرائيل؟
ويقال إن جبريلَ- عليه السلام- أتى أيوبَ فقال: لِمَ تسكت؟ فقال: ماذا أصنع؟ فقال: إن الله سيان عنده بلاؤك وشفاؤك... فاسأل الله العافيةَ فقال أيوب: {أني مسني الضر} فقال تعالى: {فكشفنا ما به من ضر} [الأنبياء: 84] والفاء تقتضي التعقيب، فكأنه قال: فعافيناه في الوقت. وكأنه قال: يا أيوب، لو طلبتَ العافيةَ قبل هذا لاستَجْبْنَا لك.
ويقال سقطت دودةٌ كانت تأكل من بدنه على الأرض فرفعها أيوبُ ووضعها على موضعها، فعقرته عقرةً عِيلَ صَبْرُه فقال: مسني الضر، فقيل له: يا أيوب: أتصبر معنا؟ لولا أني ضربتُ تحت كل شَعْرَةٍ من شعراتك كذا خيمة من الصبر... ما صَبَرْتَ ساعةً!
ويقال كانت الدودات التي تأكل منه أكلت ما عَلاَ بَدَنَه، فلم يَبْقَ منه إلا لسانهُ وقلبه، فصعدت دودوة إلى لسانه، وأخرى إلى قلبه فقال: {مَسَّنِى الضُّرُّ}... فلم يبق لي إلا لسانٌ به اذكرك، أو قلبٌ به أعرفك، وإذا لم يَبْقَ أو لي ذلك فلا يمكنني أن أعيش وأصبر!

ويقال استعجمت عليه جهةُ البلاء فلم يعلم أن يصيبه بذلك تطهيرًا أو تأديبًا أو تعذيبًا أو تقريبًا أو تخصيصًا أو تمحيصًا.... وكذلك كانت صحبته. ويقال قيل لأيوب عليه السلام سَلْ العافية فقال: عِشْتُ في النِّعم سبعين سنة فحتى يأتي على سبعون سنة في البلاء... وعندئذٍ أسأل الله العافية!
وقيل لمَا كَشَفَ الله عنه البلاء قيل له: ما أشدُّ ما لقيتَ في أيام البلاء؟ فقال شماتة الأعداء.
وفي القصة أن تلامذة أيوب كسروا أقلامهم، وحرَّقوا ماكتبوه عنه وقالوا: لو كان لك عند الله منزلةٌ لمَا ابْتلاكَ بكل هذا البلاء! وقيل لم يبقَ معه إلا زوجُه، وكانت من أولاد يوسف النبي عليه السلام، فهي التي بقيت معه وكانت تخدمه وتتعهده.
ويقال إنما بقيت تلك المرأة معه لأنها كانت من أهل البلاء من آل يعقوب- عليه السلام.
وقيل إنما قال: مسني الضرُّ لمَا قال لها الشيطان: إنْ أردتِ أنْ يَشْفَى مريضُكِ فاسجدي لي، ولم تعلم أنه إبليس لأنه ظَهَرَ لها في صورة إنسان، فأخبرت أيوبَ بذلك فقال عندذٍ: {مَسَّنْىَ الضُّرُّ}.
ويقال لمَا ظهر به البلاءُ اجتمع قومُه وقالوا لها: أخْرِجي هذا المريضَ من قريتنا، فإننا نخاف العَدْوَى وأنْ يَمَسَّنَا بلاؤه، وأنْ تُعْدَى إلينا عِلَّتُه، فأخْرَجَتْه إلى باب القرية فقالو: إنا إذا أصبحنا وقعت أبصارُنا عليه، فنتشاءم به، فأبْعِديه عن أبصارنا، فحملَتْه إلى أرضٍ قَفْرٍ، وكانت تدخل البلد، وتُسْتَأْجَر للخَبْزِ والعمل في الدور، فتأخذ الأجرة وتحملها إليه، فلما عَلِموا أنَّها امرأتُه استقذروها ولم يستعلموها.
ويقال إنها كانت ذات ذوائب وقرون، وكان أيوب يأخذ بذوائبها عند نهوضه، فباعت ذوائبها برغيفٍ أخذته لتحمله إليه، فوسوس له الشيطان بأنها فعلت الفحشاء، وأن شعرها جُزَّ في ذلك فَحَلَفَ أيوبُ أنْ يَجْلِدَها إذا صحَّ حَدْسًه، وكانت المحنةُ على قلبِ تلك المرأة أشَدَّ مما على بَدَنِ أيوب من كل المحن.
وقيل إن امرأته غَابَتْ ودخلَتْ البلدَ، فعافى اللَّهُ أيوبَ عليه السلام، وعاد شابًا طريًا كما قال في قصته قوله: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42] فلما رحعت امرأته ولم تَرَه حسبت أنه أكله سَبْعٌ أو أصابته آفةٌ، فأخذت تبكي وتولول، فقال لها أيوب- وهي لم تعرفه لأنه عاد صحيحًا- مالَكِ يا امرأة؟
قالت: كان لي ها هنا مريض فَفَقَدْته. فقال لها أيوب: أنا ذاك الذي تطلبينه!
وفي بعض الأخبار المروية أنه بقي في بلائه سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات.
وقيل تعرَّضَ له إبليسُ فقال: إنْ أردتَ العافيةَ فاسجُدْ لي سجدةً، فقال: {مَسَّنِىَ الضُّرُّ}.
ويقال إن أيوب- عليه السلام- كان مُكَاشَفًَا بالحقيقة، مأخوذًا عنه، فكان لا يُحِسُّ بالبلاء، فَسَتَرَ عليه مرةً، ورَدَّه إليه، فقال: {مَسَّنِىَ الضُّرُّ}.
ويقال أَدْخَلَ على أيوب تلك الحالة، واستخرج منه هذه القالة ليظهر عليه إقامة العبودية.
ويقال أوحى الله إلى أيوب- عليه السلام- أنَّ هذا البلاء اختاره سبعون نبيًّا قَبْلَكَ فما اخْتَرْتُه إلا لَكَ، فلمَا أراد كَشْفَه عنه قال: {مَسَّنِىَ الضُّرُّ}.
وقيل كوشف بمعنىً من المعاني فلم يَجِدْ أَلَمَ البلاء فقال: {مَسَّنِىَ الضُّرُّ} لِفَقْدِي ألَمْ الضُّرِّ.
وقال جعفر الصادق: حَبَسَ عنه الوحيَ أربعين يوما فقال: {مَسَّنِىَ الضُّرُّ} لما لِحَقَه من الضعف بقيام الطاعة فاستجاب إليه بأنْ ردَّ عليه قُوَّتَه ليقوم بحقِّ الطاعة.
ويقال طلب الزيادةَ في الرضا فاستُجِيبَ له بكَشْفِ ما كان به من ضعف الرضا.
ويقال إن الضرَّ الذي شكا منه أنه بقيت عليه بقية، وبليته كانت ببقيته، فلمَا أُخِذَ عنه بالكلية زال البلاء، ولهذا قال: {فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ} [الأنبياء: 84] وكانت نَفْسُه ضُرَّه، ورَدَّ عليه السلامةَ والعافية والأمل- في الظاهر- لمَا صار مأخوذًا بالكلية عنه، مُنْقَّىً عن كل بقية، وعند ذلك يستوي البلاء والعافية، والوجود والفقد.
{وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85)} أي واذكر هؤلاء الأنبياء ثم قال: {كُلٌ مِّنَ الصَّابِرِينَ}.
{وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86)}.
بيَّنَ الحُكْمَ والمعنى؛ الحكمُ صبرُهم وصلاحُهم، والمعنى إدخالُه إياهم في الرحمة. اهـ.

.قال التستري:

قوله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضر} (83) قال: الضر على وجهين: ضر ظاهر وضر باطن؛ فالباطن حركة النفس عند الوارد واضطرابها، والظاهر إظهار ما في السر من ذلك، فمتى احتل الضر الباطن سكن الظاهر عن إظهاره وصبر على الآلام، وإذا تحرك الباطن تحت الوارد انزعج الظاهر بالصياح والبكاء، فكان شكواه إلى الله عزَّ وجلَّ كي يعطي المعونة على رضا قلبه بالوارد، وذلك أن القلب إذا كان راضيًا بأمر الله لم يضر العبد ما فعلت جوارحه، ألا ترى إلى بكاء النبي صلى الله عليه وسلم حين مات ابنه إبراهيم كيف بكى عليه رحمة له بطبع البشرية، فلم يضره ما فعلت جوارحه، لأن قلبه كان راضيًا به.
وكان سهل يقول لأصحابه: قولوا في دعائكم: إلهي إن طبختني فأنا قدر، وإن شويتني فأنا محنوذ، ولابد أن تُعرف، فَمُنَّ على بمعرفتك.
وسئل سهل عن الدار، دار إسلام أم دار كفر؟ فقال: الدار دار بلوى واختبار.
وقال عبد الرحمن المروزي لسهل: يا أبا محمد، ما تقول في رجل منذ خمسة وعشرين يوما تطالبه نفسه أن تشبع ورق السدر من منذ ثمانية عشر يوما؟ فقال له سهل: ما تقول في رجل تطالبه نفسه أن يشم ورق السدر.
قال: فوثب عبد الرحمن وانتفخت أوداجه. اهـ.